الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رضي الله عنه)
الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رحمه الله) ، من كبار علماء دين في الجزائر ، مفكر ، فقيه ،ومتكلم ، ومن العلماء الذين خاضوا تجربة التفسير أو ألقوا بأنفسهم في بحره الذي لاساحل له ورجعوا بدُرره ولآلئه ،ملآ بروحه وبعاداته ما يسر لهم الطفو فوق النقائض والأنقاض ، والعلو على المشارب والإتجاهات ،وعلى الأحزاب والتيارات ،وتقريب الحاضر من الماضي ،تثبيتا للمبادئ ،وترسيخا للمثل ، واستدعاء الماضي الى الحاضر ،في صورة استعاب وتمثل ،وفي شكل استدراك وتمدد إن على مستوى الشكل ،وان على مستوى المعنى تحقيقاً لسعة القرآن ورحابته ،وانجازاً لسنارهاته واستشرافاته ،أو استطلاعاته ونبوءاته .
هو من منطقة القبائل ، المعروفة بالزوايا العلمية العريقة ، والمشهورة بدورها التعليمي ،والتربوي ،وتوعوي ،البارزة بنشاطها الإجتماعي من خدمة المستضفين وايواء عابري السيبل ،وتربية اليتامى وتعليمهم ، والعامرة بالعلماء من فقهاء ومحدثدين ومتكلمين ومفسرين ومناطقة ولغويين ،يعتبره الجزائريون رمزا لهم ، شيد على مرقده الشريف مسجدا ،واقيمت به زاوية كبيرة ،لنشر المعارف الدينية ،ولايسعني إلا أن اشيد بمنطقة القبائل وبالجنس الأمازيغي الذي أبان خلالاً كريمة وخصلاً حميدة ،إن هؤلاء هم أكثر من خدمة اللغة العربية والدين الإسلامي الحنيف ،وثبتوا أوتاده في هذه الأرض الطيبة ،أكثر من ذلك استقبلوا آل البيت (رضي الله عنهم) ورحبوا بهم وحموهم حيث صاهروهم ارادة لإختلاط دمهم بدم هذا النسل الشريف وسيدوهم وملكوهم أمرهم ، ما أكرم هؤلاء الخلق وما أشرفهم ،وما أشد تعلقهم بالفضيلة ،إن منتهم على أهل هذه البلاد العظيمة ،وإن عطاءهم للإسلام ليسع ما بين السماء والأرض ،لله درهم ،اللهم أقدرنا على توفية هؤلاء الناس حقهم .
مولده :
ولد الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رضي الله عنه) سنة 786 هجري / 1384 ميلادي ، بوادي يسر بمدينة يسر ،الواقعة حاليا بولاية بومرداس ،و القريبة تبعد بخمس كيلومترات عن مدينة برج منايل شمال شرق الجزائر العاصمة ، حيث تبعد عنها بمسافة 62,3 كلم ، وهذه المدينة هي موطن آبائه وأجداده ،الثعالبة ، يقال عنهم ،أبناء ثعلب بن علي ، من عرب المعقل ،الجعافرة .
نسبه :
هو أبو زيد ،عبد الرحمان، بن محمد ،بن مخلوف ،بن طلحة ،بن عامر ، بن نوفل ،بن عامر ،بن موصور ،بن محمد، بن سباع ،بن مكي ،بن ثعلبة ،بن موسى ،بن سعيد ،بن مفضل ،بن عبد البر ،بن فيسي ،بن هلال ،بن عامر ،بن حسان ،بن محمد ،بن جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) المعروف بجعفر الطيار
النشأة والتكوين :
نشأ الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رحمه الله) في بيئة علم ودين وصلاح، استهل تعلمه على يدي علماء منطقته ،ثم انتقل و تكون في الجزائر العاصمة ،ثم قصد المغرب الأٌقصى ،بصحبة والده محمد بن مخلوف (رحمه الله) فتعلم أصول الدين وفروعه ،واهتم بعلم الفقه ، فأخذ عن العجيسي التلمساني ، المعروف بالحفيد ،وزار مدينة بجاية فمكث بها سنة ثم عاد إلى مسقط راسه بعد وفاة والده (رحمه الله) بعدها رجع الى مدينة (بجاية) فنزل بها سنة 802 هجري / 1399 ميلادي ، بقي بها حوالي السبع سنوات، و تعلم على أبو الحسن علي بن عثمان المانجلاتي ، وأبو الربيع سلمان بن الحسن ، وأبو العباس أحمد الناقوسي ، وأبو القاسم المشدالي ، وأبو زيد الوغليسي ، وغيرهم ،ثم هاجر إلى تونس سنة 809 هجري / 1406 ميلادي ، فتعلم على الأبي ، والبرزلي تلميذ بن عرفة ،ثم ارتحل إلى مصر ،سنة 819 هجري / 1414 ميلادي ،فلقي بها البلالي ، وأبا عبد الله الباسطي ، وولي الدين العراقي وغيرهم، بعدها انتقل إلى تركيا ، ومنها قصد الحجاز ،فأدى فريضة الحج ، واختلف إلى مجالس العلم هناك، ثم قفل راجعا إلى مصر ،واصل دراسته بها ، ومنها رجع إلى تونس مرة اخرى ، فوافى بها بن مرزوق الحفيد التلمساني، فلازمه وأخذ عنه الكثير ،ثم عاد بعد هذه الرحلة الطويلة في طلب العلم والمعرفة إلى الجزائر، فاهتم بالتأليف و صار يلقي دروسه بأكبر مساجد الجزائر آنذاك ، تخرج على يديه كثير من العلماء، من بينهم :
1- الشيخ محمد بن يوسف السنوسي
2- الشيخ أحمد الزروق
3- الشيخ محمد المغيلي التلمساني
4- الشيخ أحمد بن عبد الله الزواوي
5- الشيخ محمد بن مرزوق الكفيف
وغيرهم.
تولى القضاء زمنا قصيرا، ثم تركه لينقطع إلى الزهد والعبادة، كما قام بالخطابة على منبر الجامع الأعظم ،بالجزائر العاصمة ،ويروى أن من بقايا آثاره المتبرك بها إلى اليوم بهذا المسجد (مقبض عصى خطيب صلاة الجمعة)
آثاره العلمية :
كان معروفا عن الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رضي الله عنه) ، أنه عالم زمانه في القطر الجزائري ، في علوم التفسير، والعقيدة، والفقه، والتصوف النظري ، وغيرها من العلوم الدينية الأخرى ،و هو أحد أعلام القرن التاسع الهجري ،ذلك لأن الإنتاج الفكري للثعالبي انتشر في مختلف مكتبات العالم العربي والإسلامي ،عكف الشيخ عبد الرحمن الثعالبي ،على التدريس والتأليف، وكانت معظم مصنفاته في علوم الشريعة، وقد ترك في هذا الحقل ما يزيد على تسعين مؤلفا في التفسير والحديث والفقه واللغة والتاريخ والتراجم
وغيرها، نذكر من بينها :
-1- تفسيره الجواهر الحسان في تفسير القرآن في أربعة أجزاء، طبع أول مرة بالجزائر سنة 1909 ميلادي ،ثم طبع طبعة ثانية في السنوات الأخيرة بتحقيق الدكتور عمار طالبي .
-2- روضة الأنوار ونزهة الأخيار في الفقه .
-3- جامع الهمم في أخبار الأمم .
-4- جامع الأمهات في أحكام العبادات .
-5- الأربعين حديثا في الوعظ .
-6- جامع الأمهات للمسائل المهمات مخطوط بالمكتبة الوطنية بالجزائر وهو في الفقه .
-7- رياض الصالحين وتحفة المتقين في التصوف ،مخطوط بالمكتبة الوطنية الجزائر تحت رقم 833 .
-8- وله مخطوطات في التوحيد ،واللغة ،والفقه ،في تنبكتو بمالي (النيجر القديمة) الشاوي التاريخي .
-9- الدر الفائق، والأنوار المضيئة بين الحقيقة والشريعة ،و يعنى بالتربية الروحية، وحقيقة الذكر .
وكان الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رحمه الله) ، مشارك في الصناعتين: يقرض الشعر ،ويكتب النثر، ومن شعره في الوعظ والزهد قوله :
و إن امرؤ أدنى بسبعين حجة * جديــر بأن يسعى معدا جهازه
و أن لا تهز القلب منه حوادث * و لــكن يرى للباقيات اهتزازه
و أن يسمع المصغى إليه بصدره * أزيزا كصوت القدر يبدي ابتزازه
فماذا بعد هذا العمر ينتظر الذي * يعمره في الدهــر إلا اغتراره ؟
وليس بدار الذل يرضى أخو حجى * ولكن يرى أن بالعزيـز اعتزازه
تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن :
لقد تأثر العلامة الثعالبي (رحمه الله) في تفسيره بمصادر مشرقية، كما تأثر بمصادر مغربية وأندلسية، فجاء تفسيره مزيجا بين الفكر المشرقي والفكر المغربي، حيث ضمنه المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية، وزاده فوائد من غيره من كتب الأئمة، حسبما رآه أو رواه عن الأثبات، وذلك قريب من مائة تأليف، وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين، ومعدود في المحققين.
و الشيخ الثعالبي (رحمه الله) من بين المفسرين الجزائريين البارزين .
من أقواله :
يقول الثعالبي (رحمه الله) في كتابه الجامع الذي ذيل به شرحه لمختصر ابن الحاجب الفرعي ما نصه ،وينبغي لمن ألف أن يعرف بزمانه وبمن لقيه من أشياخه ،فيكون من يقف على تأليفه على بصيرة ،من أمره ويسلم من الجهل به ،وقد قل الاعتناء بهذا المعنى ،في هذا الزمان ،وكم من فاضل انتشرت عنه فضائل ،جُهل حاله بعد موته ،لعدم الاعتناء بهذا الشأن .
وقال عنه الشيخ أبو زرعة العراقي: الشيخ الصالح الأفضل الكامل المحرر المحصل الرحال أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي» ووصفه العلامة عيسى بن سلامة البسكري: «بالشيخ الصالح الزاهد العالم العارف أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي»، وقال عنه تلميذه الشيخ أحمد بن زروق المتصوف المشهور الذي له تآليف عديدة في التصوف والفقه منها ،شرحه لرسالة أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي ،وشروحه العديدة للحكم العطائية وكتب اخرى : «كانت الديانة أغلب عليه من علمه»
وفاته :
توفي يوم الجمعة 23 رمضان 875 هجري ، وفي منتصف شهر مارس سنة 1471 ميلادي ،ودفن بالجزائر العاصمة ،وشيد مسجد جامع على مرقده الشريف ، واقيمت زاوية علمية كبيرة بجانب ضريحه لنشر المعارف الدينية.
وقد رثاه كثير من العلماء من معاصريه، كان من بينهم تلميذه أحمد بن عبد الله
الزواوي (رضي الله عنه) :
لقد جزعت نفسي بفقد أحبتي * وحق لها من مثل ذلك تجزع
ألمّ بنا ما لا نطيق دفاعـــه * وليس لأمر قدر الله مرجع